فصل: الفصل الثالث: في كيفية أداء الجمعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.النظر الثاني: في الجمع:

وأسبابه أربعة.
الأول: السفر، فيجوز الجمع بين الصلاتين المشتركتي الوقت على المعروف من المذهب، ووقع في العتبية، قال مالك: أكره جمع الصلاتين في السفر، فحمله بعض المتأخرين على إيثار الأفضل، لئلا يتسهل فيه من لا يشق عليه.
وإذا فرعنا على المعروف من المذهب، فلا يختص الجواز بالطويل، لكن يختص بحال الجد في السير لخوف فوات أمر، أو لإدراك مهم، وبه قال أشهب.
وقال ابن الماجشون وابن حبيب وأصبغ: بأن الجد لمجرد قطع السفر مبيح للجمع.
ثم وقت الجمع معتبر بوقت الرحيل، فإن عزم عليه بعد الزوال مثلا، ونيته أن لا ينزل إلا بعد غروب الشمس جمع في المنهل، ولم يذكر في الكتاب المغرب والعشاء، كما ذكر في الظهر والعصر عند الرحيل. قول سحنون: الحكم متساو. واختلف المتأخرون في قوله، هل هو تفسير أو خلاف.
ولو كان الراحل عقيب الزوال عازما على النزول قبل تصرم وقت الصلاة الثانية لم يجمع، بل يصلي الظهر قبل رحيله، ويؤخر العصر إلى حين نزوله، وكذلك المغرب والعشاء قبل ثلث الليل أو نصفه على قول سحنون.
وإن كان هذا المسافر أدركه الزوال أو الغروب وهو على ظهر لا ينزل في النهار لكن بعد الغروب، ولا في الليل لكن بعد طلوع الفجر، جمع بين الصلاتين في وقتهما المختار، فيصلي الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها.
ولو زالت عليه الشمس وهو في المنهل، وإذا رحل لم ينزل إلا بعد الاصفرار، فأشار بعض المتأخرين إلى تخييره، فإن شاء جمع بينهما في المنهل، وإن شاء بعد النزول؛ إذ في كلا الحالين إخراج إحدى الصلاتين عن وقتها المختار.
ولو زالت الشمس والمسافر على ظهر ولا ينزل إلا بعد الاصفرار، فأشار ابن مسلمة إلى جواز التأخير ليجمع إذا نزل.
ثم صفة الجمع، أن يقدم الأولى منهما، وينويه في أولها، ولا يجيزه أن ينوي في أول الثانية، وقيل: يجزي.
فلو صليت الأولى، ثم حدث السب، أو أدرك الجمع في الثانية من صلى الأولى وحده، ففي جواز الجمع في الفرعين خلاف مبني على ما ذكرنا.
ومن صفة الجمع الموالاة نفلا يفرق بين الصلاتين أكثر من قدر إقامة وأذان وإقامة على ما تقدم، ولا يتنفل بينهما.
وقال ابن حبيب: لا بأس أن يتنفل.
ومهما نوى الإقامة في أثناء إحدى الصلاتين عند التقديم بطل الجمع، وإن كان بعدهما فلا يبطل.
السبب الثاني لجمع: المطر.
والترخص به عام في جميع المساجد، وحكى الشيخ أبو إسحاق رواية بتخصيصه بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمنصوص اختصاصه بالمغرب والعشاء، واستقرأ أبو الاسم بن الكاتب والقاضي أبو الوليد جواز الجمع بين الظهر والعصر أيضا من قول مالك في الموطأ: أرى ذلك في المطر.
وإذا جمع بين المغرب والعشاء، ففي وقت المغرب، ثم هل يفعل المغرب أول وقتها، أو يؤخرها قليلا؟ الرواية المشهور أنه يؤخرها قليلا، ثم يقدم العشاء إليها. وروى أنه يصليها في أول وقتها محافظة على الوقت المختار. وبهذه الرواية قال ابن وهب وأشهب.
ومهما اجتمع المطر والطين والظلمة، أو اثنان منها، أو انفرد المطر جاز الجمع، ولا يجوز عند انفراد الظلام.
فإما انفراد الطين، فظاهر المستخرجة جواز الجمع من أجله، وظاهر المذهب منعه. ولو كان المطر موجودا في أولى الصلاتين، فانقطع قبل الثانية أو في أثنائها، جاز التمادي على الجمع؛ إذ لا تؤمن عودته.
ويجمع المعتكف في المسجد لإقامة الصلاة عليه.
أما المنفرد في بيته فلا، ولو صلى الشيخ الضعيف أو المرأة في البيت بالمسمع، ففي جواز الجمع لهما خلاف.
السبب الثالث: المرض.
فيجوز للمريض الجمع، وقال ابن نافع: لا يجمع قبل الوقت، ويصلي كل صلاة لوقتها، فما أغمي عليه حتى ذهب وقته، لم يكن عليه قضاءه.
السبب الرابع: الخوف.
وفي جواز الجمع به قولان ابن القاسم.

.الباب العاشر: في صلاة الجمعة:

وهي فرض عين على الأعيان.
والكلام عليها ينحصر في ثلاثة فصول:

.(الفصل) الأول: في شروطها:

ويزاد في شروط وجوبها أربعة: الذكورية، والحرية، والإقامة، والاستيطان بموضع يستوطن فيه، ويكون محلا للإقامة به، يمكن الثواء فيه، بلدا كان أو قرية وقيل: لا يعتبر الاستيطان، بل تكفي الإقامة.
وعلى هذا الخلاف تخرج مسألة الجماعة تمرون بالقرية الخالية وهم بحيث تنعقد بهم الجمعة، فينوون الإقامة بها شهرا، هل يجمعون بها أم لا؟ والمعروف من المذهب أنهم لا يجمعون. وحكى عن ابن القاسم أنه روى أنهم يجمعون.
ويزاد في شرط أدائها أربعة أيضا.
الأول: الإمام:
فلا تصح أفذاذا، ولا يشترط حضور السلطان فيها ولا إذنه، وقال يحيى بن عمر: لا تقام الجمعة إلا بالإمام الذي تخاف مخالفته.
وقال محمد بن مسلمة: لا يصلي الجمعة إلا سلطان أو مأمور أو رجل مجتمع عليه.
فروع:
الأول: الو أم المسافر في الجمعة لم تصح، وأعادوا الخطبة والصلاة ما لم يذهب الوقت، فيعيدوا ظهرا، ابتدأ الإمامة أو استخلف في أثناء الصلاة.
وقال أشهب وسحنون: تجزئهم، أم بهم ابتداء أو مستخلفا.
وقال مطرف وابن الماجشون: تجزئهم إن كان مستخلفا نم ولا تجزئهم إن أم مبتدئا.
الفرع الثاني:
إذا أحدث الإمام في الصلاة مغلوبا، فقدم من كان اقتدى به، وهو ممن تجب عليه الجمعة، صح استخلافه، وأجزأت الصلاة، وإن لم يسمع الخطبة.
فإن لم يستخلف، فتقديم المأمومين كاستخلافه، وذلك واجب في الركعة الأولى، وفي الثانية أيضا على المعروف من المذهب. وحكى الشيخ أبو الطاهر قولا آخر، بأنه لا يجب فيها، وأنها تصح مع انفرادهم بها كالمسبوق.
الفرع الثالث:
إذا غفل المقتدي عن سجود الركعة الأولى أو نعس، انتظر التمكن، فإن سجد قبل ركوع الإمام في الثانية لم يقض شيئا، وكذلك إن وجده راكعا، وقيل: يقضي الثانية إن أدركه راكعا، وإن لم يدركه حتى رفع رأسه من ركوع الثانية قضاها بلا خلاف.
أما إذا لم يتمكن من السجود حتى ركع الإمام، فليتابعه، ويلغي الركعة الأولى، ثم يقضيها بعد الفراغ.
والمشهور إلحاق المزاحم بالغافل والناعس، وروى ابن حبيب عن ابن القاسم وأصبغ: أن المزاحم لا يتبع الإمام بوجه. وروى سحنون عن ابن القاسم: أنه يتبع الإمام بمثل رواية الجماعة.
الشرط الثاني: الجماعة:
والمشهور أنها غير محدودة بعدد مخصوص، لكن لا يجزي منها الاثنان والثلاثة والأربعة، وما في معنى ذلك، بل لا بد أن يكونوا عددا تتقرى بهم قرية.
والشاذ أنها محدودة بعدد، ثم اختلف في مقداره، فروى ابن حبيب: ثلاثون بيتا وما قاربهم جماعة، وقال ابن حبيبك والبيت مسكن الرجل الواحد.
وفي مختصر الشيخ أبي إسحاق: اشتراط خمسين رجلا في صلاة الكسوف. قال بعض المتأخرين: في هذه الرواية إشارة على اعتبار هذا العدد في صلاة الجمعة؛ لأن اعتبار العدد في الجمعة آكد منه في صلاة الكسوف.
وقال الشيخ أبو الحسن: ما علمت أحدا ذكر عن مالك عددا حده تقوم به الجمعة، إلا ابن حبيب فإنه قال: الثلاثون وما قاربهم عندي جماعة، كذلك روى مطرف وابن الماجشون.
ثم هل يشترط في هذه الجماعة كونهم ممن تلزمهم الجمعة أو تنعقد بهم، وإن كانا ممن لا تلزمهم الجمعة ابتداء؛ كالصبيان والعبيد ومن في معناهم من المسافرين؟ قولان لسحنون وأشهب.
وهل يشترط بقاء الجماعة إلى كمال الصلاة؟ أو يكفي انعقاد ركعة بهم؟ المشهور اشتراط ذلك إلى الكمال، كسائر شروط الأداء. والشاذ الاكتفاء بذلك في ركعة كالمسبوق. وعلى ذلك يخرج ما إذا هربت الجماعة، فقال ابن القاسم وسحنون: إذا هرب الناس عن الإمام في صلاة الجمعة، لم تصح له جمعة.
قال سحنون: ولو تفرقوا عنه في التشهد. ورأى سحنون أن يجعلها نافلة.
وقال أشهب: إن هربوا عنه عد أن قعد ركعة، أتم صلاته جمعة.
الشرط الثالث: الجامع.
قال القاضي أبو الوليد: أما الجامع، فإنه من شروط الجمعة، ولا خلاف في ذلك، إلا اختلاف لا يعتد به مما نقله القزويني في كتابه عن أبي بكر الصالحي، وتأوله على رواية ابن القاسم في المسألة التي في المدونة، أن الجمعة تقام في القرية المتصلة البنيان التي بها الأسواق، وترك ذكر الأسواق مرة أخرى، فقال أبو بكر الصالحي: لو كان من صفة القرية أن يكون بها الجامعة لذكره.
وأفسد القاضي أبو الوليد هذا الاستقراء، وقال: وهذا قد انعقد الإجماع على خلافه، فلا نعلم ممن بقي من العلماء من يقول به، قال: وليس القزويني ولا الصالحي بالموثوق بعلمهما في النقل والتأويل، فيعتمد على ما أثبتناه، ويحتاج إلى المراجعة عنه قال: وأما الصالحي فمجهول، وإنهما أثبتناه لنبين وجه الصواب فيه، لئلا يغتر به من يقع هذا القول إليه ممن لا يميز وجوه الأقوال، قال: والأصل في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل الأمة بعده إلى هلم جرا.
ثم قال: ومن شرطه البنيان المخصوص على صفة المساجد، فأما البراح الذي لا بنيان فيه، أو ما كان فيه من البنيان ما لا يقع عليه اسم مسجد، فلا يصح ذلك فيه.
قال: وللجامع صفة زائدة على كونه مسجدا، فكل جامع مسجد، وليس كل مسجد جامعان وإنما يوصف بأنه جامع لاجتمع الناس كلهم فيه لصلاة الجمعة، وهذا حكم يختص بهذا المسجد دون غيره من المساجد، فلا يصح أن تقام الجمعة في غيره من المساجد مما لا يحكم له بهذا الحكم حتى يحكم له على التأبيد، دون أن ينقل إليه هذا الحكم في يوم بعينه، ولو أصاب الناس ما يمنعهم من الجامع في يوم ما، لم تصح لهم جمعة في غيره من المساجد ذلك اليوم، إلا أن يحكم له الإمام بحكم الجامع، وينقل الحكم إليه عن الجامع الممنوع، فيبلط حكم الجمعة في المسجد الأول، وينتقل إلى هذا الثاني انتهى كلامه.
ثم في معنى الجامع في حق المأمومين رحابه، والطرق المتصلة به، إذا اتصلت الصفوف بها، ودعت الضرورة إليها.
وتكره الجمعة فيها من غير ضرورة، فإن وقعت فقال سحنون: تعاد أبدا.
وقال ابن أبي زمنين عن ابن القاسم: تجزئ، وقاله الشيخ أو إسحاق.
واختلف في سطح الجامع هل حكمه حكمه فتصلى فيه الجمعة، أم لا؟ والمشهور المنع من صلاتها فيه، وقال أصبغ: لا بأس بذلك.
وقال ابن الماجشون: لا بأس أن يصلي المؤذن على ظهر المسجد، لأنه موضع أذانه إذا قعد الإمام على المنبر. وفي ثمانية أبي زيد عن مالك ومطرف وابن الماجشون وأصبغ: أن الصلاة جائزة، ولا إعادة عليه. وهكذا مذهب أشهب أنه لا يعيد.
وقال ابن القاسم في الكتاب: بل يعيد وإن ذهب الوقت، وحمل حمديس المنع على حالة الاختيار، وذلك إذا كان في داخل المسجد سعة.
فإما الدور والحوانيت وغير ذلك من الأماكن المملوكة المحجورة، فلا تجوز صلاة الجمعة فيها وإن أذن أهلها.
وقال محمد بن مسلمة في المبسوط: إنما قال مالك رحمه الله في هذه الدور التي لا تدخل إلا بإذن: لا يصلي فيها بصلاة الإمام إذا كان الذي فيها غير متصل بصفوف المسجد، فأولئك لا ينبغي لهم ذلك، لأنهم ليسوا في المسجد ولا متصلين به.
فأما لو امتلأ المسجد ورحاب أفنيته حتى تتصل الصفوف من المسجد إلى تلك الدور، فلا بأس بذلك، وتصير الدور والشوارع حينئذ بمنزلة حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إذا قلنا بالمنع على الإطلاق في هذه المواضع التي لا تدخل إلا بإذن، أو بالمنع بشرط أن لا تتصل الصفوف على ما أشار إليه بأن مسلمة، فلو خالف المصلي وركب النهي، فهل تصح صلاته أم لا؟ ذكر ابن مزين عن ابن القاسم أنه يعيد أبدا. وعن ابن نافع أنه قال: أكره تعمد ذلك، وأرجو أن تجزئه صلاته.
ولا تؤدي الجمعة في مصر واحد في جامعين.
وحكى الشيخ أبو الطاهر: أن المذهب في المصر الكبير على ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والتفرقة.
فإن كان المصر إذا جانبين أو جوانب، وبينهما نهر وما في معناه مما تتكلف فيه المشقة إذا قطع، جازت إقامتها في موضعين أو مواضع، بحسب الحاجة إلى ذلك، وإن لم يكن كذلك، فليس إلا كونه كالمصر الصغير.
فرع:
إذا وجبت إقامتها في جامع واحد، وكان بالبلد جامعان، فإنها تقام في الأقدام منهما، وإن أقيمت في الأحداث واحدة أجزأت، فإن أقيمت جمعتان في الجامعين مع القدرة على الاكتفاء بواحدة، فروي في العتبية في الأمير يستخلف من يصلي بالقصبة الجمعة، ويجمع هو بطائفة في طرق المصر الجمعة، قال: فالجمعة لأهل القصبة. وفي مختصر الشيخ أبي إسحاق: لا أرى الصلاة إلا لأهل القصبة، وإن كانوا يصلون مع خليفة الإمام لا معه، فالصلاة مع خليفته جائزة، قال الشيخ أبو إسحاق: يريد أن الصلاة لأهل المسجد.
وقال الشيخ أبو القاسم: لا تصلي الجمعة في مصر واحد في مسجدين، فإن فعلوا ذلك، فالصلاة صلاة أهل المسجد العتيق.
الشرط الرابع: الخطبة.
وهي فرض: وشرط في صحة الجمعة، وقال ابن الماجشون: هي سنة، ومن صلى بغير خطبة لم يعد، وروي في الثمانية أن الجمعة تجزئه.
ثم القدر الواجب من الخطبة ما له بال، ويقع عليه اسم الخطبة، قال القاضي أبو بكر: وأقله حمد الله تعالى، والصلاة على نبيه، ويحذر ويبشر، ويقرأ شيئا من القرآن.
وروي: أن سبح وهلل، أو سبح فقط، فليعد ما لم يصل، فإن صلى أجزأه. وفي الثمانية عن ابن الماجشون: إذا تكلم بما قل أو كثر، فجمعته ماضية.
وقال ابن القاسم: إن سبح وهلل لم تجز، إلا أن يأتي بكلام يكون عند العرب خطبة.
والمستحب أن يبدأ في خطبة بالحمد لله، ويختم بأن يقول: أستغفر الله لي ولكم، فإن قال: اذكروا الله يذكركم، فحسن. وإن يقرأ في الأولى بسورة تامة من قصار المفصل، قال ابن حبيب: وليقصر الخطبتين، والثانية أقصرهما.
فروع في أحوال يؤمر الخطيب أن يكون عليها:
الأول: أن يكون متطهرا، وفي كون الأمر بذلك على الوجوب أو الندب، قولان: وصرح القاضي أبو بكر بشطية الطهارة في الخطبة.
الثاني: أن يخطب قائما.
قال ابن حبيب: من السنة أن يخطب قائما، ويجلس شيئا في أولها ووسطها.
وقال القاضي أبو الحسن: الذي يقوي عندي أن القيام والجلسة واجبان وجوب سنة فقط.
وقال القاضي أبو بكر: لا بد من خطبتين، ولا تجزئ الواحدة، خلافا لرواية ابن حبيب: أن واحدة تجزئ لنسيان أو حصر، وقال: أيضا بوجوب الجلوس بينهما.
الثالث: أن يتوكأ على عصا.
وروى ابن وهب أن القوس كالعصا في ذلك، وروى علي بن زياد: لا يتوكأ عليه إلا في السفر.
الرابع: أن يخطب بحضرة الجماعة.
قال القاضي أبو الحسن: ليس لمالك نص في الإمامة يخطب وحده دون من تنعقد بهم الجمعة، وأصل المذهب عندي يدل على أنها لا تصح إلا بحضور الجماعة.
وقال القاضي أبو محمد أيضا: هذا هو الجاري على المذهب، ولم أجد فيه نصا لمتقدمي أهل المذهب.
ورأى بعض المتأخرين أن في الكتاب ما يشير إليه وهو قوله: لا تجمع الجمعة إلا بالجماعة والإمام يخطب، قال: لأن الواو للحال.
ورأى الشيخ أبو الطاهر: أن ما ذكره هذا المتأخر بعيد، وأن في لفظ الكتاب ما يدل على خلافه.
الخامس: أن يكون الخطيب هو المصلي.
قال مالك فيمن قدم رجلا فخطب، وصلى هو بالناس: الجمعة لا تجزيهم.
قال الإمام أبو عبد الله: ويلزم على طرد هذا إذا خطب الإمام، ثم قدم غيره فصلى بالناس اختيارا أن لا تجزئ الجعة، وإنما يباح له الاستخلاف إذا دعت الضرورة إليه مثل أن يحدث أو يرعف، فإنه يقدم من يصلي بالناس، ويبني المستخلف على فعله، عرض له ذلك في أثناء الخطبة أو في أثناء الصلاة. وكذلك إن عرض بينهما، ويصلي المستخلف معتدا بخطبة الإمام. والحكم ها هنا الاستخلاف إن كان الماء بعيدا، فإن كان قريبا، فروي أنه يستخلف.
وقال ابن كنابة وابن أبي حازم: ينتظر.
السادس: أن يكون الخطيب ممن له الولاية على الصلاة، فلو خطب ثم قدم وال سواه لم يصل بهم بالخطبة الأولى، وليبتدئ هذا القادم الخطبة. قال ابن المواز: إن قدم بعد أن صلى الأول ركعة، فإنه يصلي الثانية ويسلم ويعيد الخطبة والصلاة، لأن خطبته باطلة.
وفي العتبية لابن القاسم: إذا تمادى الأول، فصلى بهم عالما، فليعيدوا وإن ذهب الوقت، ولو صلى بإذن القادم أجزأتهم صلاتهم إذا أعادوا الخطبة، ولا ينفع إذنه بعد الصلاة وليعيدوا، ولا يصلي بهم القادم بخطة الأول، وليبتدئها، ولو قدمه القادم أمر بإعادتها.
وقال سحنون إن صلى بهم القادم بخطبة الأول أعادوا بادا. وكذلك إن أذن للأول فصلى بهم، ولم يعد الخطبة. وفي كتاب ابن حبيبك لا بأس أن يصلي الجمعة بالناس غير الذي خطب، مثل أن يقدمه لرعاف أو مرض، أو يقدم وال يعزل الذي خطب، وقد قدم أبو عبيدة على خالد بن الوليد بعزله فألفاه يخطب، فلما فرغ تقدم أبو عبيدة للصلاة. وهكذا وقع لأشهب نحو ما حكاه ابن حبيب: أنه إن ابتدأ الخطبة فحسن، وإن صلى بتلك الخطبة أجزأته، كما لو أحدث بعد الخطبة فقدم غيره. قال أبو محمد عبد الحق: والقياس عندي يوجب جواز الصلاة والبناء على خطبة الأول، والتمادي على الصلاة إذ دخل فيها.
السابع: أن يرفع الخطيب صوته للإسماع، ولذلك استحب له أن يخطب على المنبر؛ لأنه أبلغ في الإسماع، ألا ترى أنه لو خبط بالأرض جاز، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل قبل أن يتخذ المنبر، لكن العلو على درجة أو عود للخطبة أفضل، لأنه أسمع.
ويجب الإنصات، ويحرم الاشتغال على الجماعة عن السماع عند الشروع في الخطبة، وعلى من لم يسمع لتخلفه عن السعي إلى الجامع عند الأذان التابع لجلوس الإمام على المنبر، وهو المعهود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حبيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقي المنبر فجلس، ثم أذن المؤذنون، وكانوا ثلاثة، يؤذنون على المنار واحد بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب، وكذلك في عهد أبي بكر وعمر، ثم أمر عثمان، لما كثر الناس، أن يؤذن بالزوراء عد الزوال، وهو موضع السوق، ليرتفع الناس منه، فإذا خرج وجلس على المنبر أذن المؤذنون على المنار. ثم إن هشام بن عبد الملك نقل الآذان الذي كان بالزوراء إلى المسجد، فجعله مؤذنا واحدا، يؤذن عند الزوال على المنار، فإذا خرج هشام وجلس على المنبر أذن المؤذنون كلهم ين يديه، فإذا فرغوا خطب.
ولا يسلم الداخل في حالة الخطبة، ولا يرد عليه إن سلم، ولا يشمت العاطس، ولا بأس أن يحمد الله تعالى خافضا صوته، ولا بأس بالتعوذ من النار عند ذكرها.
وقال أشهب: الإنصات أحب إلي من ذلك، فإن فعلوا فسرا في أنفسهم، ولا بأس إذا قرأ الإمام: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه} الآية، أن يصلي عليه في نفسه.
قال ابن حبيب: إذا دعا الإمام في خطبته المرة بعد المرة أمن الناس وجهروا جهرا ليس بالعالي، قال: وذلك فيما ينوب الناس من قحط أو غيره. قال القاضي أبو الوليد: لا خلاف في جواز هذا، وإنما الخلاف في صفة النطق به من سر أو جهر، ومن لا يسمع كمن يسمع في الأمر بالإنصاف.
ولا يحي المسجد في أثناء الخطبة، ورأى أبو القاسم السيوري، أنه يحيي المسجد والإمام يخطب، وروى مثله محمد بن الحسن عن مالك.

.الفصل الثاني: فيمن تلزمه الجمعة:

وإنما تلزم المكلف الحر المقيم المتمكن من أدائها.
فإما العادمون لهذه الصفات، فلا تجب عليهم، وقد تقدم الخلاف في أنها لا تنعقد بهم، لكنها تنعقد لهم إذا كمل العدد دونهم سوى المجانين، ولهم أداء الظهر مع الحضور، سوى العاجز عن الحضور بمرض أو غيره إذا اتفق حضوره لكماله وزوال عذره.
ويلتحق بعذر المرض المطر الشديد، والوحل الكثير على أحد القولين فيهما. وتترك لعذر التمريض أيضا إذا كان المريض قريبا مشرفا على الوفاة. وفي معناه الزوجة والمملوك، فإن لم يكن مشرفا ولم يندفع بحضوره ضرر لم يجز الترك، وإن اندفع ضرر جاز.
وروى ابن القاسم أنه يجوز أن يتخلف لجنازة أخ من إخوانه ينظر في أمره، قال ابن حبيب: ويتخلف لغسل ميت عنده.
فروع في الأعذار:
من نصفه حر ونصفه رقيق كالرقيق، والمسافر إذا عزم على الإقامة ببلد مدتها لزمته الجمعة. وأهل القرى لا تلزمهم الجمعة إلا إذا كانوا بحيث تتقرى بهم قرية على ما تقدم، إلا أن يبلغهم نداء أهل بلد تقام فيه الجمعة من رجل رفيع الصوت واقف على طرف البلد في وقت هدوء الأصوات وركود الريح، وقيل: المعتبر وقوفه على المنار، فيعتبر الموضع الذي يسمع منه لا نفس السماع، بديل الأصم، والذي جرت به العادة أن يسمع النداء منه في غالب الحال ثلاثة أميال وما قرب منها، فلذلك اعتبر ذلك المقدار في وجوب إتيانها.
ثم المراعي في ذلك المكان الذي يكون المقيم فيه وقت وجوب السعي إليه دون مكان منزله، فإن كانوا من البلد الذي يجمع فيه على أكثر من ذلك، لم يلزمهم إتيان الجمعة به، وهل لهم أن يقيموا الجعة ببلدهم؟ قال يحيى بن عمر: يقيموا جمعة حتى يكونوا من البلد الذي تقام فيه الجمعة على ستة أميال.
وقال ابن حبيب: لا يتخذ جامع حتى يكون من الجامع الآخر على مسافة بريد فأكثر.
وقال زيد بن بشر: يتخذون جامعا إن كانا على أكثر من فرسخ.
قال القاضي أبو الوليد: وهو الصحيح عندي، لأن كل موضع لا يلزم أهله النزول إلى الجمعة لبعدهم عنه وكملت فيهم شروط الجمعة، لزمتهم إقامتها في موضعهم كأهل المصر.
والعذر الطارئ بعد الزوال مرخص، إلا السفر فإنه يرحم إنشاؤه، ويجوز قبل الزوال وبعد الفجر. وقيل: يكره حينئذ.
وقال القاضي أبو الوليد: ظاهر المذهب أنه لو أدركه النداء قبل أن يخلف البلد بثلاثة أميال لزمه الرجوع إلى الجمعة.
وعكس هذا أن يكون مسافرا فيقدم إلى وطنه، فلا خلاف في أمره بشهود الجمعة إن كان لم يصل الظهر، فإن كان قد صلاها، ففي لزومه شهودها ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يلزمه إذا أدرك منها ركعة، الثاني: لا يلزمه لأنه أدى فرضه. الثالث: التفرقة، وهو قول سحنون، قال: إن صلاها وقد بقي بينه وبين موضعه ثلاثة أميال فأقل لزمه شهودها، وإن كان فوق ذلك فلا يلزمه.
ويستحب لمن يرجى زوال عذره، أن يؤخر الظهر إلى اليأس عن إدراك الجمعة، ومن لا يرجى له ذلك، فيعجل الظهر كالزمن.
ولو زال العذر بعد الفراغ، فعليه الجمعة إن أدركها، وكذلك الصبي إذا بلغ بعد أن صلى الظهر، وغير المعذور إذا صلى الظهر قبل الجعة لم يجزه. وقبل: يجزئه. قال الشيخ أبو الطاهر: ويمكن تخريجه على الخلاف في الجمعة: هل هي بدل عن الظهر، فإذا رجع إلى الأصل أجزأه، أو هي صلاة قائمة بنفسها، فيكون مصليا لغير ما وجب عليه.
ومن فاتته الجمعة فلا يصلي الظهر في جماعة إلا أن يظهر عذره.

.الفصل الثالث: في كيفية أداء الجمعة:

وهي كسائر الصلوات، وإنما تتميز عن غيرها بأمور:
الأول: الغسل، ويستحب ذلك موصولا بالرواح، ولا يجزئ قبل الفجر بخلاف غسل العيد، ولا بعده غير موصول بالرواح.
وقال ابن وهب: يجزئه بعده، وإن كان غير موصول بالرواح.
ويختص استحبابه بمن يحضر الصلاة بخلاف غسل العيد، فإن ذلك يوم الزينة على العموم. ولا يتيمم عند فقد الماء بدلا عن الغسل.
الثاني كالتجمل لها بالثياب واستعمال الطيب.
الثالث: استحباب القراءة فيها بسورة الجمعة في الأولى، وفي الثانية بـ {هل أتاك حديث الغاشية}، أو {سبح اسم ربك الأعلى}، أو {إذا جاءك المنفقون}.
فرعان: بهما اختتام الباب.
الأول: إن أول وقت الجمعة زوال الشمس كالظهر، واختلف في آخر وقتها الذي تفوت بفواته، فقيل: هو آخر وقت الظهر المختار. وقيل: تصلي ما لم تصفر الشمس. وقيل: ما لم يبق بعد كمالها إلى الغروب إلا مقدار أربع ركعات.
وقال ابن القاسم: تصلي ما لم يبق إلا ركعة العصر. وحكى ابن حبيب عن مطرف فيمن صلى الجمعة بغير خطبة، أنهم يعيدون الصلاة بالخطبة ما بينهم وبين غروب الشمس، وإن لم يصلوا العصر إلا بعد الغروب. وحكى بعض الأصحاب عن المذهب قولا آخر، وهو اعتبار بقاء خمس ركعات سوى الخطبة على الوسط مما تجزي الصلاة به. وقيل: بل على عادته في صلاته.
وقال القاضي أبو الحسن: كان قولي وقول الشيخ أبي بكر قد اتفق على أنه ينبغي أن يراعى قدر ثلاث ركعات قبل غروب الشمس، ركعتان للجمعة، وركعة تدرك بها العصر. قال بعض المتأخرون: يردي بد قدر الخطبة.
الفرع الثاني:
وهو مرتب، لو صلى في آخر الوقت فخرج وقتها وهو فيها، فقد روي: يصليها وإن كان لا يفرغ منها إلا بعد المغيب، وقال الشيخ أبو بكر: إن عقد ركعة بسجدتيها قبل خروج وقتها أتمها جمعة، وإن لم يعقد ذلك بنى وأتمها ظهرا، وقد تقدم حكم بناء أربع على عزيمة اثنتين.

.الباب الحادي عشر: في صلاة الخوف:

وهي نوعان:
الأول: أن يكونوا في شدة الحرب ومطارحة العدو، والتحام الفئتين، ومناجزة القتال، وقد أخذت السيوف مأخذها، فيرخون حتى يخافوا فوات الوقت، ثم يصلون رجالا أو ركبانا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، إيماء بالركوع والسجود على حسب ما يستطيعون لا يتكلفون ما يضر بهم، ولا يتركون شيئا مما يحتاجون إليه من قول أو فعل، ولا يجب على أحدهم إلقاء السلاح إذا تلطخ بالدم، إلا أن يكون مستغنيا عنه، ولا يخشى عليه.
النوع الثاني: أن يحضر وقت الصلاة والمسلمون متصدون لحر عدوهم، ولو صلوا بأجمعهم لخافوا معرته، فيقسم الإمام أصحابه قسمين، ويصلي بأذان وإقامة، ويعلم أصحابه ما يفعلون، فيصلي بأحد القسمين ركعتين إن كانت الصلاة أكثر من ركعتين، فإذا فرغ من تشهده قام إلى الثالثة في رواية ابن الماجشون، وأتمت الطائفة الأولى حينئذ صلاتها، وانتظر الطائفة الثانية قائما، وبه قال ابن القاسم ومطرف. وروى ابن وهب وابن كنانة: أنه يشير إليهم، ويبقى جالسا، فيتمون لأنفسهم ما بقي عليهم من الصلاة.
التفريع: أما على رواية ابن وهب، فهو مخير بين أن يسكت أو يذكر الله تعالى حتى تأتي الطائفة الثانية. وأما على رواية ابن الماجشون، فهو مخير بين أن يدعو أو يسكت ما بينه وبين أن تحرم الطائفة الثانية، ولا يقرأ قبل ذلك، إذ قراءته بأم القرآن وحدها، ولو كان انتظاره قائما في الركعة الثانية في الثنائية لكان مخيرا بين ثلاثة أحوال: السكوت، أو الدعاء، أو القراءة بما يعلم أنه لا يتمه حتى تكبر الطائفة الثانية، وتدرك معه القراءة، قاله ابن حبيب.
وقال أشهب: ينصرفون قبل أن يكملوا، فيكونون وجاه العدو وهم في حكم الصلاة، ثم إذا أكملت الطائفة الثانية صلاتها وقامت وجاه العدو، قضت الأولى ما بقي من صلاتها، فإن كانت الصلاة ثنائيه، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى وقام إلى الثانية، أخذوا في إتمام صلاتهم، فإذا فرغوا مضوا، فكانوا مكان الفرقة الأخرى.
وعلى قول أشهب: ينصرفون قبل الإتمام، ثم جاءت الأخرى فصلى بها باقي الصلاة وسلم، ثم يتمون بقية صلاتهم. وروي أنه يشير إليهم بالإتمام، وينتظرهم حتى يتموا، ويسلم بهم.
ولو اختلف حال المأمومين بالسفر والإقامة، صلى بالطائفة الأولى ركعة إن كان سفريا، أو اثنتين في غير الثنائية إن كان حضريا، ويتم الحضري ثلاثا إن أن إمامه مسافرا، وركعتين إن كان حاضرا، وفي جميع ذلك يسر في موضع السر، ويجهر في موضع الجهر.
وقد اشتمل ما تقدم من الكلام على استواء حكم الحاضر والمسافر في أصل إقامة هذه الصلاة، وهو المشهور من المذهب.
وقال ابن الماجشون: لا يقيمها الحاضر، بل هي مختصة بالسفر كما أقيمت.
ثم هذه الصلاة تقام في كل قتال مأذون فيه، ولو في الذب عن المال، وفي الهزيمة المباحة عن الكفار. وفي إقامتها في اتباع أقفية الكفار عند انهزامهم خلاف بالجواز والمنع والتفرقة بين خوف معرتهم إن تركوا، وعدم ذلك، ويقيمها الخائفون من اللصوص والسباع.
ولو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا، ثم تبين عدمه فلا قضاء.
وقال ابن المواز: يستحب القضاء.
ولو فاجأهم في أثناء صلاتهم خوف فبادوا إلى الركوب خوفا على أنفسهم أتموا الصلاة على حسب ما يمكنهم، ولو انقطع الخوف في أثناء الصلاة أتموا على صفة الأمن.
فرع:
قال ابن المواز: وأداؤها على الصفة المذكورة توسعة ورخصة، على أن الأحب إلى أن تصلى كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: ولو صلوا بإمام واد، أو بعضهم بإمام، وبعضهم أفذاذا، كانت صلاتهم جائزة.
ورأى الحسن اللخمي أن مقتضى هذا جواز صلاة طائفتين بإمامين، ولم ير الإمام أبو عبد الله أنه يقتضيه.
فروع في المخالفة: لو جهل الإمام فصلى المغرب بكل طائفة ركعة، فحكى ابن حبيب أن صلاة الأول فاسدة، وصلاة الثانية والثالثة صحيحة.
وقال سحنون: صلاة الإمام وصلاة من خلفه فاسدة؛ لأنه ترك سنتها، وكذلك إن صلى بالأولى ركعة، وبالثانية ركعتين بوقوفه في غير موضع قيام. وكذلك قال سحنون فيمن صلى صلاة الخوف في الحضر بكل طائفة ركعة أن صلاته وصلاة جميع من خلفه فاسدة. وذكر ابنه عن بعض الأصحاب: أن صلاة الإمام والطائفة الثانية تامة، وصلاة الأولى والثالثة فاسدة.
وإذا فرعنا على هذا القول أو قول ابن حبيب في صحة صلاة الطائفة الثانية، فيجتمع عليها البناء والقضاء، حيث اجتمعا، فالابتداء بالبناء عند ابن القاسم، وبالقضاء عند سحنون.

.الباب الثاني عشر: في صلاة العيدين:

وهي سنة مؤكدة لأهل الآفاق، وعددها ركعتان، وهي كسائر الصلوات في الشرائط والهيئة، إلا في زيادة التكبير، ولا يرفع يديه في شيء من التكبير، إلا في الأولى.
وقال ابن حبيب: روى ابن كنانة ومطرف أن مالكا استحب رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة، وهو أحب إلي من رواية ابن القاسم، وكل واسع. وروى علي عن مالك: وليس رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة سنة، ولا بأس على من فعله. وأحب إلي في الأولى فقط، ووقتها معتبر بحل النافلة إلى الزوال.
ويؤمر بها من يؤمر بالجمعة، وفي توجه الأمر بها على من لم يؤمر بها خلاف، إذا قلنا: لا يؤمر، فقيل: بكراهية فعله لها، وقيل: يجوز، وقيل: بتخصيص الكراهية بفعله لها فذا، والجواز بفعله لها في جماعة.
ويستحب في الفطر الأكل قبل الغدو، وفي الأضحى تأخيره إلى الرجوع من المصلى.
ومن سنتها، الغسل لها بعد الفجر، وإن فعل قبله أجزأ، ثم التطيب والتزين بالثياب الجيدة لمن يقدر على ذلك، ويستحب ذلك للقاعد والخارج من الرجال، وأما العجائز فيخرجن في بذلة الثياب.
ثم تزين فيقصد الصحراء ماشيا، وإقامتها فيها أفضل من إقامتها في المسجد، إلا بمكة.
ولا يتنفل قبلها ولا بعدها إن صليت بالمصلي، فإن صليت في المسجد لعذر أو تركا للأفضل، فاستحب ابن حبيب ألا يتنفل قبلها ولا بعدها كخارج البلد. وروى ابن القاسم أنه يتنفل قبلها وبعدها لأنه محل النافلة. وروى ابن وهب وأشهب أنه يتنفل بعدها ولا يتنفل قبلها، محاذرة من إخراجها بالتطويل عن وقتها المستحب.
وليكن الخروج بعد طلوع الشمس إن كان يدرك، وليكبر في أضعاف طريقه، إلا أن يخرج قبل طلوع الشمس، فيختلف في مشروعية التكبير له وعدمها على الإطلاق، وتخصيصها بما بعد الإسفار.
قال سحنون: قلت لابن القاسم: فهل ذكر مالك التكبير كيف هو؟ قال: لا، وما كان مالك يحد في هذه الأشياء.
وقال ابن حبيب: وأحب إلي من التكبير: الله أكبر، والله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله الحمد على ما هدانا، اللهم اجعلنا لك من الشاكرين. وكان أصبغ يزيد: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: وما زدت أو نقصت أو قلت غيره فلا حرج، وليكن كبيرة بحيث يسمع نفسه ومن يليه.
ويقطع التكبير بخروج الإمام، واختلف المتأخرون هل بخروجه من محل العيد ماضيا إلى الصلاة، أو بعد حلوله في محل صلاته؟.
وفي تكبيره بتكبير الإمام في أثناء خطبته قولان.
ثم ليخرج الإمام وليتحرم بالصلاة في الحال، ثم يكبر ستا بعد الإحرام، وليس بين التكبير قول، بل يتربص بقدر ما يكبر من خلفه، ثم يقرأ الفاتحة بعد تمام التكبير، ويقرأ معها بالشمس وضحاها وسبح ونحوها. واستحب ابن حبيب القراءة فيها بقاف، واقتربت الساعة، كل ذلك يجهر به.
ويزيد في الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات، ويتم الصلاة. ثم يخطب بعدها خطبتين كخطبتي الجمعة، إلا أنه يكبر في تضاعيفها. قال ابن حبيب: ويستفتح خطبته بسبع تكبيرات تباعا، فإذا مضت كلمات كبر ثلاثا، وكذلك في الثانية، إلا أنه يفتتحها بسبع تكبيرات، قال: وكان مالك يقول: يفتتح بالتكبير، ويكبر بين أضعاف خطبته، ولم يحده. ثم صفتهما في الأداء كصفة خطبتي الجمعة من جلوس متقدم ومتوسط وقيام، وما يتوكأ عليه، وغير ذلك.
فرع:
من بدأ بالخطبة قبل الصلاة أعادها بعد الصلاة، فإن لم يفعل فذلك مجزئ عنه وقد أساء، قاله أشهب.
فإذا فرغ من الخطبة وانصرف، رجع إلى بيته من طريق آخر غير الطريق الذي خرج فيه.
ويستحب في عيد النحر التكبير عقيب خمس عشرة صلاة مكتوبة أولها ظهر يوم النحر، وآخرها صبح يوم الرابع منه، وقيل: يكبر عقيب صلاة الظهر منه أيضا.
ولا يكبر في دبر النافلة، وروى الواقدي عن مالك أنه يكبر في دبرها كالفريضة.
واختلف في صيغة التكبير المأمور به، فقال في الكتاب: يقول: الله أكبر، الله أكبر، وقال في المختصر: يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وإن كبر ثلاث تكبيرات أجزأه، قال: والأول أحب إلي.
فروع: لو نسي التكبيرات في رمة فلا يتداركها إذا تذكرها بعد الركوع أو فيه، وليسجد قبل السلام، وقيل: يتداركها ما لم يرفع رأسه منه، وإن يذكر قبل الركوع كبر ثم أعاد القراءة، وسجد بعد السلام. وقيل: لا يعيدها.
ولو أدرك المسبوق الإمام في القراءة، فقال ابن القاسم: يدخل فيه، ويكبر سبعا، وإن وجد راكعا دخل معه وكبر واحدة، ولا شيء عليه، وإن وجده قد رفع رأسه أو قام في الثانية، فليقض ركعة يكبر فيها سبعا بتكبيرة القيام، قال: وإن وجده قائما في الثانية فليكبر خمسا.
وقال ابن وهب: لا يكبر إلا واحدة. قال ابن حبيب: إن أدرك الإمام وهو في قراءة الثانية، فليكبر للإحرام، ثم يكبر خمسا، فإذا قضى كبر ستا، والسابعة قد كبرها للإحرام.
وإذا فاتت صلاة العيدين بزوال الشمس فلا تقضى.
وإذا شهد الشهود على الهلال قبل الزوال أفطرنا وصلينا، وإن شهدوا بعد الزوال أفطرنا، وتبين فوات صلاة العيد.
ولو اتفق العيد والجمعة، فليس للإمام أن يأذن لأهل القرى ممن يبلغهم النداء في الرجوع قبل شهود الجمعة، والاكتفاء بشهود العيد عن ذلك، فإن فعل لم ينتفعوا بإذنه، وروي أن له أن يأذن لهم في ذلك، وأنهم ينتفعون بإذنه.

.الباب الثالث عشر: في صلاة الكسوف.

وصلاة الكسوف سنة، وتفعل في المسجد دون المصلى.
وقال ابن حبيب عن أصبغ: تصلي في المسجد إن شاؤوا أو في صحته، أو يبروزا لها إلى البراز، كل ذلك واسع.
ووقتها وقت العيدين، وقال مطرف وابن الماجشون: تصلى بعد العصر ما لم تحرم الصلاة، ورواه ابن وهب عن مالك. وحكى الشيخ أبو القاسم رواية بأن وقتها من طلوع الشمس إلى غروبها.
وهي ركعتان، في كل ركعة ركوعان وقيامان.
هذا إذا تمادى الكسوف، فإن تجلت الشمس في أضعاف الصلاة، فهل يتمون على ما ابتدأوا، أم على صفة سائر النوافل؟ قولان لأصبغ وسحنون. والأولى أن يقرأ في القيام الأول من الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة البقرة ونحوها، ثم يرتب الثاني والثالث والرابع على ترتيب السور، وذلك بعد الفاتحة في كل قيام على المشهور.
وقال محمد بن مسلمة: لا يكرر الفاتحة في الركوع الثاني، ولا في الرابع.
وفي صفة القراءة من الجهر والإسرار روايتان، المشهور منهما أنه يسر فيهما، ويطيل كل ركوع قريبا من القراءة في قيامه.
ومذهب الكتاب أن سجود كل ركعة قريب من قيامها، وقال في المختصر: لا يطال السجود، ولا تطول القعدة بين السجدتين.
ويستحب أن تؤدي بالجماعة، وليس فيها خطبة قبل الصلاة ولا بعدها، بل إذا فرغ استقبل الناس فذكرهم وخوفهم، وأمرهم أن يدعوا الله إذا رأوا ذلك، ويكبروا ويتصدقوا.
فروع:
الأول: المسبوق إذا أدرك الركوع الثاني، فقد أدرك الركعة ولا يقضي شيئا منها.
الثاني: تفوت صلاة الكسوف بالانجلاء، وبغروب الشمس كاسفة.
الثالث: إذا اجتمع كسوف وجمعة، قدمت الجمعة عند خوف الفوات، وإن أمن منه، قدمت صلاة الكسوف.
ولو اجتمع جنازة مع هاتين الصلاتين فهي مقدمة، إلا أن يضيق وقت الجمعة، فإنها تقدم عند ضيق وقتها.
وتكلم بعض العلماء على اجتماع عيد وكسوف مع خوف الفوات، واعترض عليه بأن العيد لا يجتمع مع الكسوف في العادة.
وقال من اعتذر عن ذلك: لا ينكر فرض اجتماع العيد والكسوف، فإن الله على كل شيء قدير. وأيضا فإن كانت العادة قد تقررت بخلاف هذا الفرض، فإن هذا حكم هذه الصورة لو تصورت، والفقيه يتكلم على ما يقتضيه الفقه على الجملة.
واعترض الإمام أبو عبد الله هذا بأنه وإن كان جائزا عقلا لا يستحيل تعلق القدرة القديمة به، إلا أنه على خلاف العادة التي أجراها الله سبحانه، وليس من دأب الفقهاء تقدير خوارق العادة، والكلام على حكمها. ولا تصلى صلاة الكسوف للزلازل وغيرها من الآيات.
وصلاة خسوف القمر ركعتان كسائر النوافل، ولا يجمع لها. وقيل: يجمع لها قياسا على صلاة كسوف الشمس.
والمنصوص أن صلاة كسوف الشمس يؤمر بها كل مكلف من الرجال والنساء، ومن عقل الصلاة من الصبيان، والمسافرين والعبيد.
وقال الشيخ أبو إسحاق في مختصره: إذا كانت قرية فيها خمسون رجلا ومسجد يجمعون فيه الصلوات، فلا بأس أن يجمعوا صلاة الكسوف، وتصلي المرأة صلاة الكسوف في بيتها ومن أعجله السير فليس عليه صلاة الكسوف.
فاستقرأ بعض المتأخرين من اعتباره الخمسين أنها كالجمعة، فلا يؤمر بها إلا من يؤمر بالجمعة خاصة. قال الإمام أبو عبد الله: والذي حكاه ابن شعبان من صلاة المرأة في بيتها، واشتراط عجلة المسافر في سقوط صلاة الكسوف، قد يشير إلى خلاف هذا التأويل.

.الباب الرابع عشر: في صلاة الاستسقاء:

وهي سنة عند المحل والجدب لحياة الزرع وغيره، وعند الحاجة لشرب الحيوان: الإنسان والبهائم، كما يحتاج إلى ذلك من كان في صحراء، أو سفينة، أو أهل بلد. وكذلك إذا جاء من الماء ما هو دون الكفاية، وتفعل لتأخير مدد النهر، كما تفعل لتأخير نزول الغيث. ولو تأخر عن طائفة من المسلمين، قال بعض المتأخرين: تستحب لغيرهم أيضا هذه الصلاة، فيستسقي المخصبون للمجدبين.
وقال الإمام أبو عبد الله في ذلك: عندي نظر، قال: ولا شك أن دعاء المخصبين للمجدبين مندوب إليه، وأما إقامة سنة صلاة الاستسقاء في مثل هذا، فلم يقم عليه دليل.
ولا بأس بتكريرها إذا تأخرت الإجابة، قال ابن حبيب: ولا بأس أن يستسقى أياما متوالية.
ولا بأس أن يستقى في إبطاء النيل، قال أصبغ: قد فعل ذلك عندنا بمصر خمسة وعشرين يوما متوالية يستقون على سنة الاستسقاء، وحضر ذلك ابن القاسم وابن وهب ورجال صالحون فلم ينكروه.
ويستحب أن يأمر الإمام قبله بالتوبة والإقلاع عن الذنوب والآثام والمظالم، وأن يتحالل الناس بعضهم من بعض مخافة أن تكون معاصيهم سبب منع الغيث، قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}. أيضا فقد تمنع المظالم من إجابة الدعاء، كما جاء في الحديث الصحيح ويأمرهم بالتقرب الصدقات لعلهم إذا أطعموا فقراءهم أطعمهم الله، فإن الجمع فقراء إليه. وليس من سنته الأمر بصيام قبله، واستحبه ابن حبيب.
ويخرج الإمام بها إلى المصلى فيس ثياب بذلة بسكينة ووقار، متواضعين متخشعين متورعين وجلين. قال بعض العلماء: وذلك لأن العبد الجاني إذا رأى مخائل العقوبة المهلكة من مولاه، لم يأته راغبا في رفع العقوبة والصفح، إلا وأمارة الذل بادية عليه، والخوف آخذ بناصيته.
والمشهور أن إخراج الصبيان والبهائم فيها غير مشروع، وقيل: يخرجون.
وأما النساء فلا خلاف في منع من يخشى من خروجها الفتنة، وأما من لا يخشى ذلك منها، فحكمها حكم الصبيان والبهائم.
وفي إباحة خروج الذمة خلاف، أباحه، في المدونة، ومنعه أشهب في مدونته، ثم إذا قلنا بالإباحة فهل ينفردون بيوم، أو يخرجون مع الناس ويكونون على جانب، خشية أن يسبق قدر بسقيهم، فيفتتن ضعفاء المسلمين بذلك؟ فيه خلاف أيضا. فقال القاضي أبو محمد: لا بأس بانفرادهم، ومنعه ابن حبيب.
وتصلى ركعتين كسائر النوافل، ويجهر فيهما بالقراءة بسبح ونحوها، ثم يخطب كخطبة العيد، ولكن يبدل التكبيرات الاستغفار.
وقيل: يقدم الخطبة على الصلاة، ثم يبالغ في الدعاء في الخطبة الثانية، ويستقبل القبلة فيها، ويحول وداءه تفاؤلا بتحويل حال، فيجعل ما يلي ظهره إلى السماء، وما على اليمين على اليسار، ولا ينكسه فيجعل أعلاه أسفله.
تم كتاب الصلاة والحمد لله حق حمده، والصلاة على سيدنا محمد وآله.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد.